حكومة العلاّوي وقرارمجلس الأمن 1546

حلقتان مترابطتان ومسخّرتان لخدمة المشروع الأمريكي

                                                   بقلم : محمود جديد ¤                     

 

-    تسارعت الأحداث مؤخّرا في العراق على الصعيدين السياسي والميداني / حلّ "مجلس الحكم " ،وتشكيل حكومة عراقية مؤقّتة ، واستلام السلطة من بريمر ن وخروجه بشكل سري من العراق ، وتصعيد ملموس في أعمال المقاومة / ، إضافة إلى هذا كلّه صدور قرارمجلس الأمن رقم1546 ، واعتبار رسالتي باول والعلاّوي ملاحق له ، وبحث موضوع العراق في اجتماع الثمانية الكبار ،وفي لقاء قادة حلف الأطلسي ... وهنا سنحاول إلقاء الضوء على المتغيّرات في الساحة العراقية ، والآفاق المحتملة لمسيرة الأوضاع هناك. ..

  ا – تشكيل الحكومة العراقية المؤقّتة:  شكّلت المقاومة العراقية قوّة ضاغطة على إدارة الاحتلال الأمريكية للعراق ، ممّا أجبرتها على تسريع رزنامتها المخطّطة ،وإجراء تعديلات ملموسة في تكتيكها داخل العراق وخارجه ، حيث طلبت من الأمم المتّحدة إيفاد لجنة خاصّة برئاسة الإبراهيمي ، لإيجاد مخرج لها لٌلانسحاب من العراق ، والمساعدة في تشكيل حكومة عراقية مؤقّتة ( وفقا لتصريحات الإبراهيمي) ، وبناء على هذا الطلب ومطواعيّة الأمم المتحدة للرغبات الأمريكية في العقد المنصرم جاء الإبراهيمي إلى العراق وهو مشبع بالثقة في إيجاد المخرج المطلوب ... فقابل واستمع إلى آراء أعداد كبيرة من الساسة ورجال الدين العراقيين ، وعبّر عند اقتراب اختتامها عن وجهة نظر تعتمد تشكيل حكومة مؤقّتة من ذوي الخبرة والكفاءة ( والبعض أطلق عليها حكومة تكنوقراط ) تكون مهمّتها تسيير أمور العراق لفترة قصيرة ( سبعة أشهر) يتمّ خلالها إجراء انتخابات على أن يتفرّغ أعضاء مجلس الحكم لنشاطهم السياسي استعدادا لمشاركة أحزابهم فيها ، وأشيع بأنّ الإبراهيمي كان يفضّل تكليف / مهدي الحافظ / بتشكيل تلك الحكومة ، واقتراح / الباججي / رئيسا للجمهورية ،كما اقترح ، أو التزم بإطار أمريكي محدّد مسبقا له بعقد مجلس وطني موسّع يضمّ ألف شخصية عراقية تمثّل مختلف الأطياف والاتجاهات ، وذلك في شهر تمّوز / جويليه / ، أي عقب تشكيل الحكومة ، لاختيار مجلس مصغّر يضم مئة عضو ليقوم بأعمال الرقابة على الحكومة ، وينفّذ بعض الصلاحيات التشريعية ، وما أحسب الإبراهيمي لوكان حرّا في الاختيار أن يضع العربة قبل الحصان ، إذ كان من المفروض أن يعقد المجلس الوطني ثمّ تنبثق عنه حكومة مؤقّتة ، ولكن على ما يبدو أنّ الإدارة الأمريكية لم تكن واثقة من قدرتها على التحكّم بهذه المسيرة وفرض الحكومة التي تريدها كما فعلت مع حكومة العلاّوي... وبعد قيام فريق الأمم المتحدة بإيجاد الغطاء الدولي لإدارة الاحتلال لتسهيل عملية إخراج تشكيل حكومة جديدة ، وبشكل مفاجئ وسريع اجتمع "مجلس الحكم" ، وأعلن في جلسة واحدة عن موافقته بالإجماع على(الطبخة) الأمريكية /باستثناء صوت الباججي/ بعيدا عن اقتراحات الإبراهيمي لتشكيل الحكومة ، وتمّ الإعلان عن تركيبة أخرى ، وكانت علائم الإحباط وعدم الرضا بادية على وجه الإبراهيمي عقب سماعه نبأ تشكيل الحكومة ، وقال عبارته المشهورة : " إن بريمر ديكتاتور ، فلديه المال ، ويملك سلطة اتّخاذ القرار " ....وفيما يلي بعض الملاحظات على هذه الخطوة  :   

  1 – اختيار /الياور / رئيسا للجمهورية بدلا من / الباججي / الذي كان معتمدا أمريكيّا ومفضّلا من قبل الإبراهيمي ، وقد يعود السبب الى فارق السن ّبين الرجلين ، فالباججي في الثانية والثمانين ، كما أنّ قاعدته الشعبية محدودة ، بينما /الياور / في الخمسينات من العمر ، وشيخ من شيوخ قبيلة شمّر التي تعدّ أكثر من ثلاثة ملايين نسمة ، وهي موزّعة في العراق وسورية والأردن والسعودية والكويت ، ولها علاقة مصاهرة مع الأسرة السعودية ، ومع الشيخ زايد في الإمارات ، وهي ثنائية المذهب / قسم سنّي ،وقسم شيعي / ... يضاف إلى ذلك قد شكّل /الياور / مع نائبيه في مجلس الرئاسة ، ومع العلاّوي طاقما حكوميا وتنفيذيا أكثر تفاهما وانسجاما ... ولربّما وجدت اعتبارات أخرى مستقبلية لاستخدام بعض العشائر في حماية أنابيب النفط ، والمشاركة في حراسة الحدود العراقية الطويلة ... هذا وقد أثيرت ضجّة مفتعلة حول تعيين ( رئيس الجمهورية ) أريد منها التعتيم على اختيار العلاّوي رئيسا للحكومة ، الذي يعتبر وفقا " للدستور المؤقّت " صاحب السلطة الفعلية ....

 2 – اختيارالعلاّوي بدلا من أحمد الشلبي الطفل المدلّل لدى  /البنتغون / ،( والذي استبعد هو وحزبه من تشكيل الحكومة ) ، والممقوت من وزارة الخارجية الأمريكية ... وحسب تقديري أنّ جملة من العوامل دفعت بهذا الاتجاه من أهمّها : ثبوت بطلان وكذب المعلومات التي قدّمها للإدارة الأمريكية عن أسلحة التدمير الشامل ، وعن موقف الشعب العراقي من قوّات الاحتلال ، وفشل مقولته حول " اجتثاث البعث " الذي تحمّس لها وقاد مع حزبه مسؤولية تنفيذها ، والأهمّ من هذا كلّه ،هو تراجع الشلبي عن أطروحاته السياسية (أوتجميدها على الأقل) تجاه الكيان الصهيوني الذي زاره أكثر من مرّة /كما أشيع/ عندما كان في المعارضة , وقد صرّح أكثر من مرّة بأنّ العراق الجديد سيعترف ب(اسرائيل) ،ويطبّع معها .. ولكنّ موقف الجماهير العراقية الرافض لهذا التوجّه جملة وتفصيلا ، وانتهازيته المهودة ، أملتا عليه التراجع عن هذا التوجّه ، وهذا يعتبر جريمة كبرى لاتغتفر بنظر /المحافظين الجدد / ... ويبدو أنّ العلاّوي الذي يعتبر من أصحاب السوابق في التعامل مع الأجهزة الأمنية الأمريكية والبريطانية قد وافق على جميع المطالب والخطط الأمريكية لما بعد 30/ 6/ 2004 ... وقد شكّلت رسالته إلى مجلس الأمن إحدى تعبيراتها ، يضاف إلى ذلك ، أنّ الأمريكيين اقتنعوا بوجهة نظره السياسية والأمنية لمعالجة الموقف داخل العراق ، وبذلك أجروا تعديلا على تكتيكهم حيال الأوضاع في العراق ، والذي  يقوم على التخلّي عن فكرة " اجتثاث البعث " والاستفادة من الجيش العراقي القديم والأجهزة الأخرى في ضبط الأمور ، كما أنّه يعتبر ذو نظرة علمانية ، ولم ينخرط في الخرجات والتحرّكات الطائفية كما فعل الشلبي الذي حاول رفع سقف شعاراته ومطالبه السياسية بهدف تبيض سمعته الملوّثة ، وتمادى في الانخراط في / الحراك الشيعي / بهدف الاستقواء بانتمائه المذهبي ، بكيفيّة انتهازية مفضوحة ، وفي الوقت نفسه لايمكن استبعاد أن يكون نهجه الجديد مخططا له من قبل الدوائر الأمريكية لتنفيذ بعض المهام في الأوساط الشيعية التي تعجز عنها ، ولتحضيره لمراحل لاحقة تعقب الانتخابات ...

  3 – وجود ثلث أعضاء الحكومة الجديدة من ذوي انتماءات بعثيّة سابقة ، ويتولّون أهم المناصب مثل : وزارة الدفاع ، والداخلية ،والنفط، والتجارة ، والتعليم العالي، والمالية، وشؤون المحافظات ,,,الخ ، وهذا يتماشى مع وجهة نظر العلاّوي نفسه ، والذي هو من أصول بعثيّة أيضا ، ومع التوجّه الأمريكي الجديد الذي يستهدف الحد ّمن تأثير وانعكاسات القوى المذهبية والطائفية ، ومغازلة قواعد البعث وقياداته من الدرجة الثانية والثالثة بهدف المساعدة في تبريد الظروف الأمنية الساخنة ، واحتواء المقاومة العراقية التي تعتمد أدوات النظام السابق من جيش وأمن وتنظيمات البعث وفدائي صدّام ...الخ ، ,إعطاء بعض التطمينات للدول العربية ، وخاصّة المجاورة للعراق من عدم وجود خطر إقامة / دولة شيعيّة / في العراق على غرار ما هو قائم في إيران ...

  ب – صدور قرار مجلس الأمن قم 1546 حول العراق :  قنّنت الإدارة الأمريكية احتلالها للعراق وفق منظومة مترابطة ومتكاملة من  القرارات والقوانين ، أهمّها : قرار مجلس الأمن رقم 1483 تاريخ 22-5-2003 ، والقرار 1511 تاريخ16-10-2003 ، واتفاق بريمر الطالباني الخطير الموقّع في 15-11-2003 والذي وافق عليه "مجلس الحكم " المنحلّ ، وقد حدّد هذا الاتفاق رزنامة للتطورات السياسية اللاحقة ، كما رسم الإطار العريض لها ، وفي الوقت نفسه تداخل مع " قانون إدارة العراق للمرحلة الانتقاليّة "والذي هو بمثابة دستور مؤقّت ، وقد تداخل بدوره مع قرار مجلس الأمن رقم 1546 تاريخ 8-6-2004 ، هذا وقد خضع مشروع هذا القرار الذي قدّمته أمريكا وبريطانيا لمناقشات معمّقة داخل مجلس الأمن ، وتمّت مراجعته وتعديله عدّة مرّات ، وحاولت فرنسا بدعم من روسيا والصين والجزائر على التأكيد على سيادة العراق ، وأن يكون للحكومة العراقية حق الاعتراض على نشاط وعمليات القوة متعدّدة الجنسيات ، وبقائها في العراق ، ولكنّ تواطؤ العلاّوي مع الإدارة الأمريكية من خلال الرسالة الخطيّة التي أرسلها إلى مجلس الأمن حال دون ذلك ، بدلا من دعم الموقف الفرنسي ... وفيما يلي أهمّ الملاحظات على القرار 1546:

    ا – الملاحظات الإيجابية :

      1 –قيّد البند الأول من هذا القرار الحكومة الانتقالية (حكومة العلاّوي) من خلال : " الامتناع عن اتخاذ أيّ إجراءات تؤثّر على مصير العراق فيما يتجاوز الفترة المؤقّتة المحدّودة ، إلى أن تتولّى حكومة انتقالية منتخبة مقاليد الحكم ..."

      2 – رحّب القرار في البند الثاني بأنّه :" سيتمّ بحلول 30/6/2004 انتهاء الاحتلال ، وانتهاء وجود سلطة الائتلاف المؤقّتة ، وبانّ العراق سيؤكّد من جديد سيادته الكاملة ."

      3 – أعاد تأكيد حق الشعب العراقي في تقرير مستقبله السياسي بحرية ،وفي ممارسة كامل السلطة والسيطرة على موارده المالية والطبيعية .

      4 –عدم الإشارة إلى " قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية " ، والذي كان أكراد العراق يلحّون على اعتماده ضمن صيغة القرار ، وقد أزعجهم ذلك كثيرا ، هذا مع العلم أنّ السيدالسيستاني كان قد أرسل رسالة خاصّة إلى مجلس الأمن يطالبه فيها عدم الإشارة إليه ...

   ب : الملاحظات السلبية :

     1 – نصّ البند /9/: " يشير إلى أنّ وجود القوّة متعددة الجنسيات في العراق هو بناء على طلب الحكومة العراقية المؤّقتة ، ولذا فإنّه يعيد تأكيد التفويض الممنوح للقوة المتعددة الجنسيات المنشأة تحت قيادة موحدة بموجب القرار 1511، مع إيلاء الاعتبار للرسالتين المرفقتين بهذا القرار ."

      وهذا يعني إضفاء (الشرعية) على قوات الاحتلال الأمريكية ومن معها ، وبالتالي تصبح مقاومتها (غير مشروعة ) وفقا لذلك ، ويشجّع ، أو يوجد غطاء ومبرّرا لبعض الأطراف العربية والإسلامية إرسال قوات الى العراق ، والمشاركة في / القوة متعددة الجنسيات /.

    2 – جاء في البند رقم /10/ :" يقرّر أن تكون للقوة متعددة الجنسيات سلطة اتّخاذ جميع التدابير اللازمة للمساهمة في صون الأمن والاستقرار في العراق وفقا للرسالتين المرفقتين بهذا القرار ..."

     إنّ هذا البند يعطي تفويضا مطلقا للقوة متعددة الجنسيات في التدخّل في كافّة الملفات الأمنية العراقية والاكتفاء بالتشاور والتنسيق مع الحكومة العراقية دون أن يكون لهذه الحكومة الكلمة الفصل في اتّخاذ القرارات اللازمة حيال المسائل الأمنية .كما يعطي الشرعية لرسالتي باول والعلاوي فيما يتعلّق بالملف الأمني ، وبالتالي يطمس أيّة جوانب أخرى تبدو إيجابية في هذا القرار ...

    3 – نصّ البند /12/ : " يقرّر كذلك استعراض ولاية " القوة متعددة الجنسيات " بناء على طلب حكومة العراق ،أو بعد مضي اثني عشر شهرا من تاريخ اتّخاذ هذا القرار ، على أن تنتهي هذه الولاية لدى اكتمال العملية السياسية ... ويعلن أنّه سينهي هذه الولاية قبل ذلك إذا طلبت حكومة العراق إنهاءها ."

     لقد حاول الأمريكان جاهدين عدم الالتزام بأيّة رزنامة محددة لجلاء قواتهم عن العراق ... ،  وإزاء إصرار بعض الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن ، وخاصة فرنسا على تحديد مدّة زمنية للقوات متعددة الجنسيات المحتلة لمغادرة العراق جاء هذا البند ليعطي صورة عن الصراعات والمساومات التي جرت داخل مجلس الأمن قبيل اتّخاذ القرار 1546 ، حيث كان هدف أمريكا صياغة القرار بما يخدم خططها المستقبلية ، ويجعلها تتحكّم عن طريق امتلاكها حق / الفيتو / في إصدار أيّ قرار لاتراه مناسبا ... وهذا مانلمسه في استعمال عبارة "استعراض ولاية القوة متعددة الجنسيات" التي تفسح المجال للحكومة الأمريكية للمناورة والعرقلة ... أمّا فيما يتعلّق بإنهاء هذه الولاية فقد تداخلت وجهتا النظر الأمريكية والفرنسية ، فأمريكا كانت تريد أن تشترط إنهاءها باكتمال العملية السياسية ، أي حكومة منتخبة وفق دستور دائم للعراق في نهاية 2005 وفق ما حدّده / قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية / التي وضعته للعراق ، وهذا الطريق سيكون طويلا وشاقا وعسيرا ، وستعمد الإدارة الأمريكية إلى تأجيله قدر المستطاع ، والتأثير على مساراته ، بينما أضيفت الفقرة الأخيرة من هذا  البند تحت الضغوط الفرنسية وأطراف أخرى ، ولكنه جاء قاصرا لأنه صيغ على شكل وعد ، ولم يخوّل الحكومة العراقية بشكل مطلق استخدام هذا الحق في الوقت الذي تراه مناسبا ...

  4 – جاء في البند / 14 / :" يسلّم بأنّ القوة متعددة الجنسيات سوف تساعد أيضا في بناء قدرة القوات والمؤسسات الأمنية العراقية من خلال برنامج للتجنيد والتدريب والتجهيز بالمعدات والتوجيه والرصد ."

     يعطي هذا البند أبعادا إضافية لصلاحيات وتدخّلات  " القوة متعددة الجنسيات " في العراق بشكل يتجاوز الملف الأمني إلى كل ما يتعلّق ببناء القوات والمؤسسات الأمنية العراقية التي ستصاغ من كافة جوانب بنيتها ونشاطاتها وتسليحها وتجهيزها من قبل الأمريكان ، وهذا يشكّل جانبا أساسيّا من جوانب إعادة صياغة العراق بكامله بما يخدم مخططاتهم ومصالحهم في المنطقة والعالم ، كما أشار باول سابقا أمام الكونغرس الأمريكي  . 

   5 –وافق البند /23/ من القرار على مواصلة / المجلس الدولي للمشورة والرصد /أنشطته في رصد صندوق التنمية للعراق ، وعلى أن تتخذ الترتيبات الملائمة لمواصلة إيداع العائدات النفطية فيه ... وقد حدّد البند /25/ كيفية إنهاء عمل / المجلس الدولي للمشورة والرصد / وبشكل يتطابق مع كيفيّة إنهاءعمل " القوة متعدّدة الجنسيات "... وهكذا يبقى الأمريكان يتحكّمون بالملفين : الأمني والاقتصادي .

  وعلى كل حال فإنّ بنود القرار /1546/ متداخلة مع (الدستور العراقي المؤقّت ) ، ومع ما ورد في رسالتي: باول والعلاوي المترابطتين والمتكاملتين والمسخّرتين لخدمة الاحتلال الأمريكي للعراق بعد تغطيته " ببرنوس" كتب عليه  "القوة متعددة الجنسيات المتواجدة بطلب من الحكومة العراقية وقرار مجلس الأمن" ... وهذا ما يفسّر لنا سبب الإسراع في تشكيل هذه الحكومة قبيل صدور هذا القرار ، ويضاف إلى هذا كلّه إصدار بريمر /97/ قرارا ( قنّن ) فيها الأوضاع والتعيينات الإدارية والأمنية والاقتصادية والإعلامية والقضائية لصالح الاحتلال الأمريكي وعملائها لمدّة خمس سنوات على الأقلّ. ..

الآفاق المحتملة لمسيرة الأوضاع في العراق :  إنّ صراع إرادة المحتلّ الأمريكي المجسّدة بتواجد 145 ألف جندي أمريكي ، إضافة إلى خمسة وعشرين آخرين من دول أخرى ، مع إرادة الشعب العراقي المتمثّلة بالمقاومة العراقية البطلة بكافّة أشكالها وتعبيراتها السياسية والكفاحية هو الذي سيحدّد الآفاق المحتملة لمسيرة الأوضاع في العراق ... فالولايات المتحدة الأمريكية لم ترسل قواتها عبر المحيطات ، وتشنّ حربا عدوانية على العراق وتحتله من أجل سواد عيون المعارضة العراقية غير الوطنية ، أو من أجل إنهاء حكم ديكتاتور ، وإنّما من أجل حسابات استراتيجية على صعيد سياستها الدولية تستهدف التحكّم الكامل والشامل بالنفط العربي وتسخيره لمصالحها ، وحماية أمن وتواجد الكيان الصهيوني الغاصب ... وبفضل ونتيجة لانطلاق مقاومة عراقية فعّالة وبسرعة ، أجبرت الإدارة الأمريكية على إجراء تغييرات تكتيكية على طبيعة احتلالها للعراق مع المحافظة على استراتيجيتها الشاملة ... غير أن بعض الملامح والمؤشرات الأمريكية تطفو على السطح كنقاط علاّم للتوجهات الأمريكية المستقبلية ، من أبرزها :

    1 – موافقة مالكونغرس م على زيادة ميزانية القوات المسلّحة في العراق وأفغانستان بم24/ ملياردولار ، و تصريحات المسؤولين الأمريكيين وفي مقدمتهم رئيس هيئة أركان القوات المشتركة الأمريكية بأنّ القوات الأمريكية باقية في العراق لمدة خمس سنوات على الأقل ، و وهذا التوقيت يتناغم مع المدى الزمني لقرارات بريمر في العراق قبل رحيله ...

    2 – احناء الرأس قليلا أمام الاتحاد الأوربي وروسيا والصين والأمم المتحدة من أجل تقنين احتلالها المديد للعراق ..

    3 – تكثيف جهود الإدارة الأمريكية لاستدراج قوات أجنبية إضافية لمشاركتها أعباء الاحتلال ، ومحاولة زجّ حلف الأطلسي كمنظمة عسكرية في العراق لصالح المشروع الأمريكي ، والضغط على الدول العربية والإسلاميةمن أجل إرسال قوات إلى العراق ...

    4 – تشكيل قوة خاصة تحت ذريعة حماية عمل الأمم المتحدة في العراق تكون مستقلّة تنظيميا عن القوة متعدّدة الجنسيات ، ولكن تعمل في إطارها ، ووفقا لخططها ... ومن خلال هذه القوة يتم خلق المبررات والذرائع لبعض الحكام العرب والمسلمين لإرسال قواتهم للمشاركة في تدعيم الاحتلال وتقليل خسائره ، وبالتالي إطالة أمده ...

    5 – الموافقة الأمريكية على العودة لقطعات وتشكيلات الجيش النظام العراقي للاستفادة منها في بناء الجيش العراقي الجديد وفق المواصفات والشروط والمهام الأمريكية ...

      -  وبعد تحقيق هذه التوجّهات والرغبات الأمريكية ، وبناء قوّات أمنية عراقية قوية ، سيكون بإمكان القوات الأمريكية التوقف عن تحمّل أعباء الأمن داخل المدن ، والانكفاء منها إلى قواعد عسكرية ثابتة / من 6-10/ قواعد يجري بناؤها لتغطية الأرض العراقية ، وتأمين تنفيذ الخطط الأمريكية المعدّة لجيران العراق ، وقد يسحب قسم منها ، ويعاد الى قواعدها السابقة داخل أمريكا وخارجها ، إذا استطاعت التحكّم بالوضع الأمني داخل العراق بالحدود المقبولة لديها، لأنّها حسب تقديري لاتريد استقرارا جدّيا في العراق ، حتى ولو كان منفذوه أتباعها وعملاءها ، وإنّما بقاء الأوضاع الأمنية متردية في الحدود الدنيا التي تبرّر  بقاءها وبأقلّ الخسائر ...

   - وأخيرا نستطيع القول :إنّ الاستراتيجية الأمريكية تجاه العراق والمنطقة لم تبن لعدّة سنوات ، وإنّما لعقود طويلة من الزمن ، وأنّه ليس من صالح الحكومات الأمريكية إقامة ديمقراطية حقيقية في العراق والمنطقة ، فالجماهير العربية والمسلمة أصبحت معبّأة ومشحونة بالكره ضد سياساتها وممارساتها الخاطئة والظالمة   في فلسطين المحتلة والعراق  وأفغانستان وغيرها ، ولذلك ستبذل الإدارة الأمريكية قصارى جهدها لإبقاء " الدستور المؤقّت " للمحافظة على بنوده الأساسية التي تخدم بقاءها في العراق ، واستمرار هيمنة أتباعها ، وعملائها على مقاليد الحكم في العراق ، لمنع استكمال تنفيذ الشروط المحددة في ذلك الدستور لإنهاء عمل " القوة متعددة الجنسيات " ، وهو إجراْ انتخابات حرّة لانتخاب جمعية وطنية عراقية تنبثق عنها حكومة انتقالية جديدة تقوم بوضع مشروع دستور دائم يتم إقراره من قبل الشعب العراقي،ثم إجراء انتخابات جديدة وفقا لهذا الدستور ، وقيام حكومة عراقية جديدة ، على أن يتم هذا كله حتى نهاية عام 2005 ... ومن هنا فإنّ الأمريكان سيعملون جاهدين لتعطيل هذه المحطات على أنغام مضلّلة و/مفبركة/ من أجل استمرار الدستور المؤقت والحكومات المؤقتة التي تتلاعب بتعيينها بهدف إبقاء الوجود الأمريكي بغطاء من الشرعية الكاذبة أطول مدة ممكنة فوق التراب العراقي ....

    ولذلك فإنّ استمرار المقاومة العرقية واتساعها وتصاعدها هو الأسلوب الوحيد القادر على إرغام الأمريكان على الخروج من العراق ، وإفشال المخطط الأمريكي ، كما فشل في فيتنام ، وكما فشل الاحتلال الإسرائيلي  في جنوب لبنان ، لأنّ الاحتلال هو مشروع استعماري استثماري بالقوة ، فعندما يصبح خاسرا يوقفه أصحابه وبسرعة أكثر ممّا يتوقعها الأتباع والعملاء ، والمنهزمون في أعماقهم .....        والنصر دائما حليف الشعوب المكافحة الصابرة .   


كاتب سوري ¤