كلمة التجمع الوطني الديمقراطي باحتفالات يوليو/ تموز بحلب

 

 

 

 محمد ديب كور                                          

 

أيها الاخوة والرفاق ...

نحتفل اليوم بالذكرى الحادية والخمسين لقيام ثورة 23 تموز المجيدة والذكرى التاسعة والثلاثين لولادة أحد أبنائها البررة :الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي في سورية . نتمثل القيم والدروس وأعيننا على حاضر مرير تستباح فيه الأمة وتتعرض لهزائم متتالية ليس أقلها الاحتلال الصهيو-أمريكي الجاثم على أرضنا في فلسطين والعراق والخليج العربي , فالمطلوب أمريكياً وصهيونياً استسلام كامل غير مشروط وكسر إرادة الأمة في المقاومة والتصدي للعدوان ومخططاته الإجرامية .إلى ذلك نشاهد اليوم أحزاباً وقوى وفضائيات وأقلام وشخصيات ثقافية ودينية وسياسية تسير في ركاب الأعداء , فتسمي المقاومة إرهاباً, واستهداف قوات الغزو الأنجلوسكسوني اعتداءاً , وقتلاهم وجرحاهم ضحايا , ويوم احتلال بغداد عيداً وطنياً!!

وتعلن أن القومية العربية قد شاخت , وأن الحياة والمستقبل هما للولاءات الطائفية والمذهبية والإثنية, وأن أمريكا< جاءت محررة لتنشر الديمقراطية والرخاء في أرجاء المنطقة العربية التي صاروا يسمونها "الشرق الأوسط "

مرتضين لأنفسهم أن يكونوا أداة طيعة تحركها الأيدي الإمبريالية وفقاً لمصالحها ولمصالح المشروع الصهيوني ومتغافلين أن الديمقراطية للشعوب ما كانت لتهم أمريكا يوماً بمقدار ما تهمها مصالحها. فالديمقراطية لا يمكن أن تكون إلا حصناً للشعوب في مواجهة سياسات الاستغلال والسحق الإمبريالي الخارجي , وسياسات القهر والتنكيل والنهب الداخلي على يد الأنظمة الوكيلة. ولذلك رأينا كيف أن الأنظمة المشمولة بالرعاية الأمريكية تضاهي مثيلاتها التي كانت مشمولة بالرعاية السوفيتية في تغييب الديمقراطية وخنق الحريات والتقهقر بشعوبها إلى ما دون مستوى السياسة . وأنها أنظمة قطرية فاسدة مفسدة لا هم لها سوى الاحتفاظ بالسلطة ونهب أوطانها والاستئساد على شعوبها وتقديم التنازلات وفروض الطاعة للسيد الأمريكي إلى حين انتهاء صلاحيتها بقرار من البيت الأسود في واشنطن !

عود على بدء؛يقول المفكر القومي الراحل ياسين الحافظ في إحدى مقالاته لعام  1962 ضمن كتابه "حول بعض قضايا الثورة العربية" :

" لأول مرة في التاريخ العربي أتاحت الناصرية للشعب العربي أن يتسيس ويدفع إلى حلبة النضال السياسي جماهير واسعة كثيفة كانت هاجعة هامدة جامدة..."

"حيث تمكن عبد الناصر باقتحام رجولي أن يملأ فراغ الشارع السياسي"

ويقول أيضا:"فتح عبد الناصر أمام التطور العربي آفاقا واسعة جديدة وحول القومية العربية إلى قوة تاريخية وفتح إمكانية عملية لتحقيق الوحدة العربية"

ويضيف: "إن الحركة القومية العربية  بدون مصر عبد الناصر ستتقهقر بالشعب العربي إلى ما كانت عليه الحال قبل تموز 1952 حيث الظلام الاستعماري....

إن أي حديث عن التحرر من الاستعمار ودرء خطر إسرائيل بدون عبد الناصر أكذوبة."

نعم كان عبد الناصر فرصة تاريخية استثنائية نادرة أضاعتها التيارات السياسية في الأمة بيسارها القومي و يسارها الماركسي وإسلامها السياسي الذي وعى مؤخرا أن اتجاه البوصلة الناصرية نحو تحديد أعداء الأمة هو الاتجاه الصحيح! ناهيك عن التيارات اليمينية والانفصالية التي رأت فيه عدوها اللدود!

وأضاعها النظام الناصري ذاته حين ضحى بالديمقراطية السياسية على مذبح الديمقراطية الاجتماعية وحزب السلطة الأوحد و"تأمين النظام".فتهاوت محاولة النهضة العربية الثانية بعد رحيل القائد وتقهقرت الأمة إلى ما نحن عليه.

إلا أن لنا في تاريخنا وحضارتنا وتقاليدنا النضالية-وليس آخرها معارك تحرير الجنوب اللبناني المظفرة وبطولات جنين الصامدة وبزوغ فجر المقاومة العنيدة البطلة في بغداد والفالوجة والرمادي والبصرة...-

ما يدعونا للتبصر والعمل والأمل.فالشعب هو القائد؛وبالديمقراطية تتجسد تلك القيادة.وهذا ما وعاه ويعمل لأجله الأخوة قي حزب الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي في سورية والأحزاب والقوى الأخرى المنضوية في التجمع الوطني الديمقراطي منذ ربع قرن؛فالنضال من أجل الحريات الديمقراطية والتغيير الوطني الديمقراطي على طريق بناء دولة الحق والقانون ومؤسسات المجتمع المدني؛هو وحده الكفيل بتكملة المشوار نحو التحرر ودحر الاحتلال الأجنبي من كل الأرض العربية، واستكمال المشروع النهضوي الديمقراطي العربي؛انطلاقا من عملية تسييس الشعب ودمقرطة المجتمع،بوصفها محرك سيرورة بناء الدولة الوطنية/القومية الديمقراطية الحديثة؛التي لا مكان فيها لسياسات التمييز العرقي أو الديني أو الطائفي أو العشائري,والقادرة على إيجاد حل عقلاني لمسألة الأقليات القومية والدينية وفق منظورات قومية ديمقراطية إنسانية؛تأخذ بعين الاعتبار مصلحة الأمة ومصالح تلك الأقليات دون قهر أو استلاب أو تفريط.

الاخوة والرفاق الأعزاء,

بعد الاحتلال الأمريكي للعراق الشقيق عمقنا الإستراتيجي,بتنا في سورية في آن معا محاصرين ومستهدفين من قبل المشروع الأمريكي الصهيوني.الذي لن تنفع معه سياسة الرضوخ والتنازلات سوى في تأجيل العدوان وتهيئة افضل الشروط له؛تماما كما فعلوا مع العراق قبل غزوه.

إن مواجهة تلك الأخطار الداهمة تتطلب البدء بحوار وطني ديمقراطي واسع وعقد مؤتمر وطني تشارك فيه أوسع الكوادر السياسية والثقافية والأحزاب على اختلافها وتنوعها؛ينبثق عنه برنامج للعمل الوطني يجمع الطاقات ويوظفها في الاتجاه الصحيح.سمته الأساسية وهدفه المحوري"تحصين الوطن بالديمقراطية" وبناء العمق الإستراتيجي الداخلي الأساس في أية مواجهة وصمود.

وإنها خطوة باتت أكثر من ضرورية وما عادت تحتمل التأجيل.وإنه لقرار صعب بالنسبة لسلطة اعتادت استبعاد الشعب والتفكير نيابة عنه منذ عقود! ولكنه على أية حال قرار يتطلب حدا مناسبا من العقلانية السياسية تقود إلى إجماع وطني لا مناص عنه في لحظات مصيرية تتعلق بحاضر الوطن ومستقبله.

إلى ذلك بادرت شخصيات سياسية وثقافية ومهتمون بالشأن العام عبر بيان الـ 287 ؛والكرة الآن في ملعب السلطة.

وأيا تكن الإجابة فإننا في التجمع الوطني الديمقراطي نمضي قدما على طريق النضال الديمقراطي من اجل وقف العمل بقانون الطوارئ والأحكام العرفية والظفر بالحريات السياسية واحترام حقوق الإنسان وفصل السلطات وتعديل الدستور وسن قوانين ديمقراطية عصرية للأحزاب والنقابات ومؤسسـات المجتمع المدني والإعلام والصحافة والإصلاح الاقتصادي والإداري ومكافحة الفساد.

ونعمل مع جميع القوى والأحزاب والتيارات القابلة والقادرة ضد التأخر والاستبداد والمشروع الأمريكي الصهيوني ومرتكزاته على الأرض العربية.

نعلن انحيازنا الكامل لثقافة المقاومة والاستشهاد ولانتفاضة الأقصى الباسلة,وللمقاومة العراقية المتصاعدة بكافة أشكالها وأساليبها والتي استطاعت بضرباتها لقوات الاحتلال خلال فترة وجيزة أن ترسم خطا بيانيا هابطا في استطلاعات الرأي لشعبية المجرمين بوش وبلير؛ليس بسبب انكشاف أكاذيبهما بشأن أسلحة الدمار الشامل العراقية المزعومة,وليس بسبب استخدام أحدث أسلحة القتل والتدمير المحرمة دوليا والإبادة الجماعية في حربهما القذرة غير المشروعة وغير المبررة دوليا وأخلاقيا والمرفوضة من الرأي العام العالمي؛وإنما بالضبط بسبب الخسائر البشرية التي تتعرض لها قواتهما الغازية على أيدي المقاومين العراقيين الأشاوس.

وإلى مواقفنا ورؤانا السياسية,اسمحوا لي أن أضيف:

حلماً ناصرياً جميلاً

مسـاحته:الوطن العربي الكبير

عناصره:الكرامة القومية والإنسانية ومجتمع الكفاية والعدل

تحية للمقاومين في فلسطين والعراق ولكافة المناضلين من اجل الحرية والديمقراطية والوحدة.والمجد والخلود لشهداء الأمة.

والسلام عليكم

 

                                               حلب في 18 تموز2003